وجّه حضرة بهاء الله خطابه في هذا الكتاب إلى الحاج السّيّد محمّد الخال الأكبر لحضرة الباب وذلك ردًّا على الأسئلة الّتي رفعها الخال المذكور إلى حضرته كما جاء في اللّوح المبارك مخاطبًا السّيّد عبد الحميد الشّيرازي ما تعريبه:
"... تشرّف الحاجّ جواد الكربلائي أحد مؤمني حضرة الباب القدامى بمحضر حضرة بهاء الله جلَّ اسمه الأعلى في بغداد وعرض أنَّ خاليّ حضرة الأعلى وهما الحاج السّيّد محمّد وميرزا حسنعلي مع بعض أولادهما قد قدموا إلى العراق لزيارة العتبات المقدّسة وهما الآن موجودان في بغداد، فسأله حضرة جمال القدم هل تكلّمت معهما بخصوص الأمر المبارك؟ قال: كلاّ، فكلّفه حضرة بهاء الله بأن يذهب إلى بيتهما ويبلّغهما تحيّات حضرته ويتكلّم معهما حول الأمر المبارك ويصطحبهما إلى المحضر المقدّس، فعاد الحاج السّيّد جواد إلى حضرتيّ الخال وأبلغهما تحيّات حضرة بهاء الله، وفي اليوم التّالي رافق الحاج السّيّد محمّد الخال الأكبر الحاج السّيّد جواد دون اصطحاب أخيه وتشرّفا بمحضر المبارك، ولمّا امتثل لدى ساحة العزّ والجلال تموّج بحر البيان المقدّس وتفضّل مخاطبًا الخال بأنّا لا نحب أن تكونوا محرومين من أثمار الحكمة والبيان الّتي ظهرت سدرتها المباركة من بينكم...
ينبغي عليكم أن تكتبوا الشّبهات الّتي هي سبب توقّفكم في قبول الأمر المبارك وتفكّروا مليًّا في تلك الشّبهات ثمَّ هاتوا بها بصحبة أخيكم لو شاء الله يبدّل الشّبهات بآيات محكمات إنّه على كلّ شيء قدير. ولقد حضر الخال الأكبر في اليوم التّالي دون أخيه وذكر شبهاته واحدًا بعد واحد وصدر في جوابه الرّسالة المعروفة برسالة الخال والتي عرفت فيما بعد باسم الإيقان"(۱).
وأوفى تعريف لكتاب-الإيقان صدر من يراعة حضرة وليّ أمر الله شوقي أفندي ربّاني في كتابه باللّغة الإنجليزيّة GOD PASSES BY كما يلي(٢):
"ومن أبرز الكنوز النّفيسة الّتي ألقى بها خضمّ إلهام حضرة بهاء الله الموّاج كتاب "الإيقان" الّذي نزّل في السّنوات الأخيرة من هذه الفترة(٣) (١٢٧٨ﻫ. = ١٨٦٢م.) في بحر يومين وليلتين لا أكثر! تحقيقًا لنبوءة حضرة الباب الّذي نصّ على أنَّ الموعود سوف يتمّ نصّ البيان الفارسيّ الّذي لم يكمل، وأجابة عن الأسئلة الّتي وجّهها إلى حضرة بهاء الله الحاج ميرزا سيّد محمّد (وهو خال لحضرة الباب لم يكن قد آمن بعد) أثناء زيارته لكربلاء مع أخيه الحاج ميرزا حسن علي. وهذا الكتاب الّذي يبيّن معالم الخطّة الإلهيّة المخلّصة نموذج للنّثر الفارسيّ بأسلوبه النّاصع الأصيل المتدفّق، ووضوحه الملحوظ، وتسانده في البحث، وبراعته الملزمة في البلاغة. لذلك فهو يحتلّ منزلة لا تدانيها منزلة أيّ كتاب آخر من مجموعة الآداب البهائيّة على الإطلاق باستثناء الكتاب الأقدس الذي هو أقدس كتب حضرة بهاء الله. ولمّا كان قد نزّل عشيّة إعلان حضرة بهاء الله لدعوته فقد قدّم للجنس البشريّ "الرّحيق المختوم" الّذي ختامه "مسك"(٤) وفضّ أختام "السّفر" الّتي أشار إليها دانيال، وأزاح السّتار عن معاني "الكلمات" الّتي قدّر لها أن "تخفى وتختم"إلى "وقت النّهاية"(٥).
في حدود مائتي صفحة يعلن الكتاب إعلانًا لا لبس فيه ولا غموض وجود إله واحد غيب منيع لا يدرك ولا يُحَدّ ولا يشار إليه، مصدر كلّ وحي وإلهام، أبديّ أزليّ، عليم قدير محيط، وينبّه على أنَّ الحقيقة الدّينيّة حقيقة نسبيّة وأنّ الوحي الإلهيّ مستمرّ، ويؤكّد وحدة الأنبياء وشمول رسالتهم واتّفاق تعاليمهم الأساسيّة وصحّة كتبهم المنزلة المقدّسة، ويبيّن طبيعة مقامهم المزدوج، ويندّد بعمى العلماء وضلالهم في كلّ عصر فهم علّة الإعراض والاعتراض، ويوضح آيات الإنجيل المرموزة، ومتشابهات القرآن الكريم وغوامض الأحاديث الشّريفة، تلك الّتي غذّى رمزها وتشابهها وغموضها الشّكوك والضّلالات والحزازات والعداوات المزمنة الّتي شطرت أتباع ديانات العالم العظمى فرقًا ومزّقتهم شيعًا وأحزابًا، ويعدّد المطالب الجوهريّة الّتي لا غنى عنها لكلّ باحث مخلص وراء هدفه ومطلبه، ويظهر صحّة الظّهور البابيّ وسموّ دلالته، ويثني على بطولة أصحابه وانقطاعهم ويتنبّأ بالانتصار العالميّ الشّامل الّذي يحرزه الظّهور الّذي وعد به أهل البيان، ويعلن ايمانه بطهارة السّيّدة مريم العذراء وبراءتها ويمجّد أئمّة دين حضرة محمّد، ويتوجّع لاستشهاد الإمام الحسين ويمجّد سيادته الرّوحيّة، ويكشف عن أسرار مصطلحات مثل "الرّجعة" و"البعث" و"خاتم النّبيّين" و"يوم القيامة". ويعرض المراحل الثّلاث للظّهورات الإلهيّة ويميّز بينها، ويسهب القول بعبارات مشرقة في ذكر مفاخر ومحامد "مدينة الله" الّتي يجدّدها، على فترات مقدّرة، ظهور العناية الرّبّانيّة لهداية الجنس البشريّ وخلاصه وتأمين منفعته ومصالحه. ويمكّننا أن ندّعي بحقّ أنَّ هذا الكتاب الّذي أنزله شارع الأمر البهائي هو وحده، دون سواه من سائر الكتب البهائيّة، قد وضع الأساس الرّاسخ العريض للوفاق الدّائم الكامل بين أتباع الأديان العالميّة العظمى بفضل تحطيمه للحواجز العتيدة العريقة الّتي فرّقتها تفريقًا لا يمكن تخطّيه ولا تجاوزه".
(۱)
"رحيق مختوم"، الجزء الأوّل، تأليف عبد الحميد إشراق خاوري الصّفحة ٢١٦.
(٢)
أي فترة مكوث حضرة بهاء الله في بغداد الممتدّة من ١٢ كانون الثّاني ١٨٥٣ حتّى الثّالث من شهر أيار ١٨٦٣.
(٣)
نقله إلى العربيّة حضرة الحبيب المتصاعد إلى الله الدّكتور السّيّد محمّد العزّاوي عليه رضوان الله وبهاؤه.
(٤)
انظر القرآن الكريم سورة المطفّفين الآية ٢٥ و ٢٦.
(٥)
انظر الكتاب المقدّس سفر دانيال الأصحاح ١٢ الآية ٤ و ١٢.